الحزن الوافي
على فقد الشيخ عبد الرحمن السنافي
الإمام والخطيب في وزارة الأوقاف – الكويت
أستاذ مادة الحديث الشريف في دار القرآن الكريم – منطقة الرميثية
الشيخ الجليل عبد الرحمن بن عيد السنافي رحمه الله تعالى.. تلقينا خبر وفاته بقلوب مكلومة، وحزن عميق، ودموع محبوسة في المحاجر.. إنه الرجل الحكيم، الذي لم يكن يتحدَّث كثيراً، وإذا تحدَّث تحدَّث بحكمة، أسأل الله تعالى أن يتقبَّله في الشهداء عنده، فهو الداعية والخطيب والإمام المعروف في منطقة سلوى، تخرَّج في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في كلية الحديث الشـريف بتفوّق، ومارس الدعوة إلى الله تعالى في الكويت وخارجها، ردحاً من الزمن، له العديد من الدراسات المتميزة، لم يبخل يوماً على الدعوة إلى الله عز وجل، فكان يقوم بأعباء الدعوة إلى الله تعالى في مساجد الكويت، وكانت حياته زاخرةً بالأعمال الجليلة.
1- محبته لمهنة التعليم والتدريس:
كان الشيخ عبد الرحمن السنافي رحمه الله مُحبّاً لمهنة التعليم والتدريس، فقد أمضى سنوات حياته فيها، ينشر العلم، وينفع الناس، وقد كان يدرّس الناس في مسجده، وكذلك في دار القرآن الكريم -فرع الرميثية-، وكانت حياته كلها حافلةً بالعطاء الفكري، وكان دوماً يراجع المسائل من أمهات الكتب، ويضع تعليقاته النفيسة على طرة الكتب بخطه الجميل، وكان دائم التفرّغ بعد صلاة العشاء للقراءة في مكتبته ومراجعاته، ولشؤون بيته، والشيخ عبد الرحمن رحمه الله له تاريخ حافل بالعِبَرِ الجليلة، فهو من الأعلام الذين رَحَلَت أبدانهم ولكنّ أرواحهم ما زالت مقيمةً بيننا.. دمعت لأجلهم العيون، وخَشَع لذكرهم السمع.. أحبّهم الفؤاد مع شهادة العباد.. رفع ذكرهم القرآن والعلم والإيمان، أسأل الله تعالى أن يثقّل موازين أعماله الصالحة يوم العرض عليه.
2- اجتهاده في لتحصيل العلمي:
كما ذكرت آنفاً أن الشيخ عبد الرحمن تخرّج في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في كلية الحديث الشـريف، فنال منها الإجازة الجامعية في العلوم الشرعية بتقديرٍ عالٍ، تميّز الشيخ رحمه الله أثناء دراسته بالتفوق العلمي، كما عُرِف بالانضباط الشديد للمحاضرات، والدروس العلمية، وعدم التغيّب عن المحاضرات إلا لعذر، وكان الشيخ حريصاً على دروس المشايخ والعلماء، التي كانت تعقد في الحرم النبوي.
3- أخلاقه الحميدة وخصاله النبيلة:
كان الشيخ عبد الرحمن السنافي رحمه الله يتمتع بمحاسن الأخلاق الرفيعة وأعلاها، وكان متواضعاً، مكرماً للضيف، طليق الوجه بشوشاً، حسن الاستقبال لإخوانه، مع ترديده عبارات تُدخِل السرور على قلوب زائريه، وكان دائم السؤال عن إخوانه في الله وأهله وأقاربه وزملائه عند اللقاء أو الاتصال عبر الهاتف.
لقد كان الشيخ عبد الرحمن قدوة تحتذى ومثالاً يُقتفى في الصلاح والتقوى، وكان رحمه الله حسن المعشر، ليناً، سهلاً، حريصاً على وقته، قليل الكلام، إلا في الدعوة إلى الله تعالى، ونفع إخوانه، متواضعاً، لا يرى لنفسه مكانة أعلى من غيره، زاهداً في الدنيا وزينتها، غير محبٍّ للتكلّف، صبوراً على نوائب الدهر، فاق أقرانه في العلم والدعوة والعبادة، وحياته المهنية اليومية، وعلاقاته مع الناس، لقد كان رجلاً عظيماً، وشيخاً ناصحاً، موجِّهاً لإخوانه، وكان على منهج السلف الصالح، ملتزماً بما جاء عن الله عز وجل، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
4- علو همته، وشدة حرصه:
كان الشيخ عبد الرحمن حريصاً في دراسته على التعمّق في جميع العلوم الشرعية، من الفقه والأصول، والعقيدة، ومصطلح الحديث، وعلوم القرآن، وقواعد الفقه، والأخلاق، والسلوك، والأدب، وعلوم اللغة، إلا أنه كانت له عناية خاصة بعلم الحديث الشريف وما يتصل به من العلوم.
5- إمامته للمصلين في مسجده في منطقة سلوى:
كان الشيخ عبد الرحمن رحمه الله ملتزماً بعمله في إمامة المصلين في مسجده، كان الناس وبعض أئمة المساجد يقدّمونه للصلاة إذا صلّى في أي مسجدٍ آخر غير مسجده لجلالة قدره وعلمه الواسع، وكان يصلي بمسجده إماماً بصلاتي التراويح والقيام، وكان له حضور كبير في شهر رمضان، فقد وهبه الله عز وجل صوتاً جميلاً ومميزاً يأخذ بمجامع القلوب.
6- صلته بأهل العلم:
كان الشيخ عبد الرحمن رحمه الله تعالى ذا صلة وثيقة بأهل العلم، وكانت تربطه علاقة أخوية ودّية بمشايخ وعلماء الكويت والمملكة العربية السعودية، وغيرهما من الدول الأخرى.
7- تحدّثه باللغة العربية الفصحى:
كان الشيخ رحمه الله يتكلّم باللغة العربية الفصحى في دروسه في مسجده، وكذلك في دروسه في دار القرآن الكريم، وكذلك كان يتكلم بالفصحى عند تحدّثه مع زملائه وأقرانه.
8- برّه بوالديه:
كان الشيخ عبد الرحمن شديد التعلّق بوالديه، بارّاً بهما، وترك ذلك البرّ أثراً على شخصيته، وورث عن والديه الكريمين صفاته التي اشتهر بها، من الرفق، والهدوء، وعفة اللسان، والبشاشة، والإحسان للناس، والاهتمام بهم.
9- حرصه على الإصلاح بين الناس، والشفاعات الحسنة:
كان الشيخ عبد الرحمن رحمه الله يسعى بالإصلاح بين المتشاحنين، ويمضي في الشفاعات الحسنة عند الناس، ويعين المحتاج، ويساعد الفقير، ويزور المرضى، ويصل أرحامه، ويربي إخوانه وأحباءه على حبِّ كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وعلى حبِّ الآثار السلفية، وهو منهج شرعي وهبه الله عز وجل للشيخ حتى يوجِّه الناس للقدوة والاقتداء.
10- مكتبته العامرة بالمخطوطات ونفائس المطبوعات:
خَلَّف الشيخ عبد الرحمن رحمه الله مكتبةً كبيرة، فيها أمهات الكتب في نفائس العلوم والفنون، وفيها مؤلفات خطيّة، وبعضها بخطوط مصنفيها، وخزانته وما فيها من النفائس لا مثيل لها في الكويت، وإن الداخل لمكتبه ليقف مندهشاً أمام الكتب الممتدة من الأرض إلى السقف على أرفف خشبية متراصة بطريقة هندسية منظمة.
وما ذكرته عن الشيخ عبد الرحمن السنافي غيض من فيض، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وما ذكرته ليس حديثاً يُفترى، بل سيرة رائعة، وترجمة ماتعة، وحقيقة كاملة، أبانت جانباً من حياة الشيخ عبد الرحمن السنافي العلمية والدعوية ترى فيها الصدق، والصفاء، والعلم، والإخلاص، وسلامة الصدر، والبذل، والعطاء، والكرم، والوفاء، وغير ذلك من الأخلاق النبيلة.
وأقدم عزائي لقبيلة العوازم الكرام، ولآل السنافي العظام، ففيكم مودة الإخوان، وقدر الخلان، وفيكم بحر الكرم الذي لا شاطئ له، وفيكم أسمى معاني الوفاء الذي أُشرِبتموه جيلاً بعد جيل حتى غدا سجية متأصّلة فيكم.
كما أقدِّم عزائي لوالديه، وأهله، وإخوته، وذويه، فأقول: عظّم الله أجركم، وغفر لفقيدكم، وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، فإن لله ما أعطى، ولله ما أخذ، فاصبروا واحتسبوا..
اللهم إن الشيخ عبد الرحمن في ذمتك وجوارك، فَقِهِ من فتنة القبر، وعذاب النار، أنت الغفور الرحيم، اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك، احتاج إلى رحمتك، وأنت غنيٌّ عن عذابه، إن كان محسناً فزد في حسناته، وإن كان مسيئاً فتجاوز عنه فأنت العفو الغفور.. اللهم آمين.
وكتبه بمنطقة فهد الأحمد من مدن دولة الكويت حرسها الله
يوم الثلاثاء 30 ذو القعدة 1438هـ
الموافق: 23 غشت 2017م
راجي رحمة ربه الودود:
الدكتور إبراهيم عبد الغفار الطاهري
-عفا الله عنه –
Lorem Ipsum