كلمة الاستاذ وكيل الوزارة المساعد للشئون الإدارية
احتفلت وزارة العدل والأوقاف والشئون الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف وبهذه المناسبة الكريمة ألقى السيد عبد الرحمن عبد الوهاب الفارس وكيل الوزارة المساعد هذه الكلمة.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير خلق الله وبعد، ففي هذه الليلة المباركة يحتفل العالم الإسلامي بذكرى مولد سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله. وفي شهر ربيع الأول تسعد القلوب بأجمل الذكريات وأكرمها على أمة الإسلام. حيث ولد فيه من قدمته العناية الإلهية إلى البشرية الضالة والإنسانية التائهة في محيط الفوضى والفساد، وشاء الحق سبحانه أن ينظر إلى هذا العالم نظرة جود ورحمة تصلح فساده وترد له صوابه فاذن بميلاد خير الخلق وسيد البشر. وفي أم القرى ومن بيت آمنة أشرق النور المحمدي، فكان الشعاع الهادي لكل ضال، والنداء الموقظ لكل غافل، والنبع الفياض بسعادة البشرية وخيرها الأبدي، بمولده صلى الله عليه وسلم دقت يمين الدهر باب هذا الكون تبشر كل عان وموجع وكل مظلوم ومستعبد بمجيء محمد يهدي الحيارى ويحمي المستضعفين، جاء من يحرر الجباه من السجود لغير الله، جاء منقذ الموءودة، ومحطم الأصنام وواضع ميزان الحق والعدل والسلام.
أيها الإخوة المؤمنون:
من حق الرسول الأكرم أن نحتفل بذكرى مولده وأن نذكر المعاني الإنسانية التي تجمعت في شخصه وتجلت في سلوكه ومنهجه. ولكن لا ينبغي أن نقتصر في ذلك على حفل نقيمه كل عام لأن عظمة صاحب الذكرى يجب أن تبقى في ضمير كل مسلم ولا تغرب عن وجدانه مدى الحياة، يجب أن تخلد بالإيمان، بالأفعال قبل الأقوال، بالتضحية والفداء بالأموال والدماء، بكل لون من ألوان الإيثار والبذل والعطاء.
يا مسلمون: إحياء هذه الذكرى لا يكون بخطب تقال أو ابتهالات تذاع إنما بإتباع صاحب الذكرى في دعوته والعمل بالكتاب الذي جاء به، بالاقتداء به في صبره وثباته، أمام أخطار واجهت دعوته حين آمن بها قوم وكفر بها آخرون، كفروا بها لأنهم رأوا فيها القضاء على سلطانهم وطغيانهم فأعلنوا الحرب على الرسالة والرسول، ولكنه يمضي في طريقه بكل قوة وصلابة وإباء وعزة ويقول كلمته الخالدة (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه).
ليست هذه أيها الأخوان مجرد كلمة بقدر ما هي تقرير لمبدأ وتحديد لأبعاد الصراع الدائم بين الحق والباطل. وقد يعلو الباطل في معركة وقد ينتكس الحق في مرحلة، ولكن كلها صور للنصر تخفي حكمتها على البشر، والغلبة في النهاية تكون للحق وحده ولا شيء سواه. وصدق الله العظيم {{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ}{{81/17}} إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}.
وعلى درب الصراع الطويل استطاعت قوى الشر والعدوان أن تدنس مسرى الأنبياء، ومركز اتصال الأرض بالسماء، وأن تحتل المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، ولكنها مهما تبجحت فمصيرها محتوم وطغيانها يعجل بزوالها إلى الأبد {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
أيها الأخوة:
توافينا ذكرى المولد النبوي الشريف والمسلمون في شتى الأمصار تمر بهم أحداث خطيرة، ولعل ما تعيشه إريتريا والفلبين يبرز لنا مدى الكيد للإسلام من خلال المذابح الدامية بسلاح عدو غاشم يحصد الحياة ويخلف الموت والدمار.
5
وإذا كان المعتصم قد حرك الجيش والدولة من أجل امرأة استغاثت به وقالت «وامعتصماه» فقال لبيك يا أختاه ورد عنها الاعتداء في عزة وإباء، فأولى بالمسلمين وهم يعدون بمئات الملايين أن يتحركوا من أجل شعب مسلم مقهور من أجل المشردين في الصحراء، من أجل الأرامل والثكلى من أجل اليتامى الذين لا يجدون من يطعمهم إذا جاعوا ولا من يمسح دموعهم إذا بكوا متوجعين، من أجل دين ورثناه قويا عزيزا ولابد أن يبقى قويا عزيزا كما ورثناه واعتقدنا به دين عدل وحق.
اذكروا يا مسلمون أنكم أبناء أمة انتصرت على أقوى الدول على الفرس والروم وأن أجدادكم انتصروا على المغول كما انتصروا على الصليبيين بقيادة صلاح الدين. اذكروا ذلك وانفروا للجهاد. جاهدوا بأنفسكم وجاهدوا بأموالكم في سبيل الله لا تبخلوا بما جعلكم مستخلفين فيه، فالموقف يحتاج إلى البذل والعطاء إلى التضحية بكل مرتخص وغال لنحفظ ماء الوجوه ونقضي في قوة على التحديات من حولنا وننتصر في عزة على كل مؤامرة.
يا أمة الإسلام:
ولكم في الخليفة الأول أبي بكر الصديق خير قدوة يوم نادى منادٍ -الجهاد- جاء بماله كله ووضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر ماذا تركت لأولادك؟ قال يا رسول الله تركت لهم الله ورسوله.
وهذا عثمان ثالث الخلفاء الراشدين يجهز جيش العسرة من خير ماله. وغير هذا وذاك رجال بذلوا النفس والنفيس حتى ارتفع لواء الإسلام خفاقا في شرق الدنيا وغربها. ويأبى الله ألا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وإني أضرع إلى الله في ذكرى مولد حبيبه ومصطفاه أن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخرجنا من معارك الجهاد برءوس مرفوعة وفوز مبين، وأن يعيد هذه الذكرى وقد عاد الحق إلى أصحابه وتحرر المسجد الأقصى من أعدائه وارتفع صوت القرآن في كل مكان عقيدة ومنهجا.
وفي هذه المناسبة الكريمة أبعث أصدق تهنئة إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد المعظم وسمو ولي عهده الأمين وإلى الشعب الكويتي والأمة الإسلامية بأسرها. وكل عام وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
المصدر:
الوعي الإسلامي عدد (28)
Lorem Ipsum