تسلية الأصحاب في سيرة الشيخ عيسوي محمد رحاب
تذكرتُ شيخًا جليلًا، ذا عقلٍ وقَّاد، وصاحب تحريرات نافعة وتحقيقات ناصعة، نحسبه كذلك، واللهُ حسيبُه، ولا نزكِّيه على الله تعالى.
كان له تأثيرٌ كبير عليَّ في حبِّ القرآن الكريم، فهو ممن أثَّر فيَّ، وحبَّب إليَّ هذا العِلْم، فقد كان صاحبَ شخصيةٍ سهلة ودود، يألفُه مَنْ يُعاشره، وفيه عِزَّة المسلم الأبيِّ، وأمانة العالِم السويِّ، صاحب ذكاء يتعجَّب منه كلُّ مَنْ رآه.
الشيخ الداعية، المربِّي الفاضل، العَلَّامة الأسوة، العَلَم الأشمُّ، والطود الأهم، الموقوفة حياته لتعليم الناس أمورَهم الدينية، والمبذولة نفسه في نصرةِ الدِّين، معدن المحامد، سليل الأماجد، جوهرة مصر والقاهرة؛ بل حسنة كل البلاد شارقةً وغاربة، الشيخ المفضال (عيسوي محمد رحاب).
بساطته وزهده
كنتُ أظنُّه رَجُلًا عاديًّا حتى إذا ما نظرتَ إليه ترى فيه ملامح الريف البسيطة، الزهد سَمْتُه، ثيابه لا رفاه فيها، ومظهره لا يُنبئكَ عن غِنى وكثرة مال، رجل بسيط الهيئة في ملبسه لا يُرى عليه أثرُ التكلُّف.
فضله وإحسانه
الشيخ عيسوي محمد رحاب ربَّى جيلًا واسعًا من الشباب الملتزم في دولة الكويت في الثمانينيات والتسعينيات، فما من شابٍّ تخرَّج في المعهد الديني في منطقة المنقف إلا وللشيخ عليه مِنَنٌ وأفضال.
سَجيَّته الحسنة وإصلاحه بين الناس
كان صاحب سجيَّة طيبة، لا يُخادِع، ولا يُخاتل، لا يُورِي، ولا يعرِّض، ما يعتقده ينطق به صريحًا بلا خفاءٍ ولا التباس، كان دائم الإصلاح بين المدرسين في المعهد إذا حصل بينهم ما يؤدِّي لقطعِ المودَّة والمحبَّة، ويسعى في وأْدِ الفتنة بينهم، يحاول دائمًا تجميع الصفِّ ووحدة الكلمة.
اهتمامه بالكتب والقراءة والاطلاع
دخلتُ أكثر من مرة غرفة المدرسين، وكنتُ أرى فيها مكتبه والمكان المخصَّص له، فما رأيتُ شيئًا إلا المصحف والكتب والكُتيِّبات في رفٍّ وضعه خصيصَى لها، فقد كان الرفُّ مليئًا بالكتب والمطبوعات.
نفسه المطمئنة وانشراحها
كان صاحب نفْسٍ مطمئنة، أمارات الصلاح بادية عليه، جالسًا في قاعات الدرس يدرِّس طلابه باطمئنانٍ وانشراحِ صدرٍ ونفْسٍ خالية من الضَّجَر والتَّعَب.
صوته العذب الشجي
إذا سمِعْتَ قراءته كأنَّ في حنجرته جهازَ صدى، وكأنكَ من أول وهلةٍ لَمَّا تسمع صوته تعتقد كأنه يقرأ في الميكروفون، ما رأيتُ أجمل قراءةً ولا أعْذَبَ صوتًا من قراءته، فصوتُه كان رقيقًا عذبًا، وقلبه كان خاشعًا، ولسانه ذاكرًا، ووجه دائم التبشش مع تواضُعٍ جمٍّ، وأدبٍ رفيع.
توجهه لحفظ القرآن الكريم في سنٍّ مبكرة
لقد اتَّجه الشيخُ حفظه الله لحفْظِ القرآن الكريم كما ذكرَ لي في سنٍّ مبكرة، ولا أدري بالضبط متى ابتدأ حفظ كتاب الله عز وجل، لكن ما أعلَمه وأعرفه من حاله أنه كان في وقتٍ مبكرٍ جدًّا من عمره.
حفظه المتقن لكتاب الله عز وجل
لم أره حفظه الله يومًا يفتح دفتي المصحف للقراءة منه في قاعات الدرس، ولم أره يومًا يخطئ في الحفظ أو يتردَّد في المتشابهات، فقد كان حافظًا متقنًا، وقراءته كانت مرتلة بتؤدةٍ وطمأنينة.
قوة إرادته وكرهه للكسل
كان حفظه الله قوي الإرادة، عليه الجد في العمل مع الصراحة في القول والعمل، دقيق الملاحظة، يحبُّ العملَ الدائم المتواصل، ويشتدُّ على الكسالى من تلاميذه، ويُردِّد لهم الآيات مرات ومرات حتى يَفهموا المراد، ويحفظوا المقرَّر بأسهل وبأبسط الطرق.
كرم نفسه وحسن معاشرته
كان كريم النفس، حسن المعاشرة، حليمًا، بشوشًا، ودودًا، محبًّا لتلاميذه، محترمًا وموقِّرًا لهم، يحبُّهم ويسأل عنهم، ويقضي حوائجهم في مجال التعليم، ويصبر عليهم في التعلُّم ومجالاته المتنوِّعة.
تواضعه وعدم حبه للظهور
كان متواضعًا لا يحبُّ الظهور ولا الالتفات إليه، رأيته أكثر من مرة يطلب منه إمامُ المسجد في مسجد المعهد أنْ يتقدَّم لكي يصلي بالطلاب صلاة الظهر، وكان يرفض بأدبٍ، ورأيته أكثر من مرةٍ في مسجد المعهد يتأخَّر في الصفوف أو يتوارى عن النظر حتى لا يقدِّمه الإمام للصلاة بالناس.
سمته الحسن وخفضه للجناح
كان سمتُ الصالحين باديًا على الشيخ حفظه الله، فقد كان يمشي وهو يتلو كتاب الله تعالى، ويراجع وِرْده اليومي، فقد كان يمشي خافضًا لرأسه، ذاكرًا لربِّه، متُواضِعًا، ظاهرةٌ عليه أمارات التقوى والصلاح.
ذِكره لله تعالى
من أبرزِ صفات الشيخ حفظه الله تعالى ذِكْره لله تعالى في القاعات الدراسية، وفي غرفة المدرسين، وفي سفره وترحاله.
رأيتُه كثيرًا بعد فراغه من صلاة الظهر يذكر الله تعالى قرابة النصف ساعة، جالسًا في مصلَّاه، ثُمَّ ما أنْ ينتهي من ذِكْره يتوجَّه لقاعات التدريس لتدريس الطلاب.
رأيتُه أكثر من مرة يُردِّد أذكار الصباح، وقال لي: لا أتركها أبدًا، وكان بكَّاءً، كثيرَ الدَّمْع عند سماعه لآيات العَذاب ووصف الجنة والنار، وكثيرًا ما يطلب من طلابه التوقُّف عند تلك الآيات بعد أن تخنقه العَبْرة؛ ليمسحَ دموعه المنهمرة، وكثيرًا ما كان يأمر تلاميذه بالتوقُّف عن القراءة ليذكرَ الله تعالى، ثُمَّ يطلب من الطالب أنْ يستأنفَ القراءة.
صبره وجلده وأمانته
كان الشيخ حفظه الله صبورًا جدًّا، يعرف ذلك كلُّ مَنْ لازمه، وقرأ عليه وعرَفه، حتى إنَّ كثيرًا في قاعات الدرس يرنُّ جرس انتهاء الحصص والشيخ يكمل درسه في التسميع لحرصه على تلاميذه، ولصبره وجلده وأمانته، كان كثيرًا ما يطلب من مدرس الحصة التالية أنْ يُكمِل هو الحصة التالية، ويطلب ذلك بأدبٍ وخُلُقٍ رفيع، واعدًا إيَّاه بالتعويض بحصة في الغد القادم، وهذا يدلُّ على حرصه الشديد أنْ يسمعَ كل طالب كمية المقرَّر من الحفظ كاملة، كل طالب على حدة، حتى يعمَّ النفع لجميع الطلاب.
تدريسه في المعهد الديني وفي مساجد دولة الكويت
كانت حياةُ الشيخ حافلةً، قضاها في التعليم والتربية والوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الإسلام وتعاليم الدين.
وكان من ثمار ذلك أنْ تخرَّجَ على يديه ثُلَّةٌ كريمةٌ من طلبة العلم الحَفَظَة لكتاب الله تعالى في فترة الثمانينيات والتسعينيات، درَّسَ الشيخُ في المعهد الديني في منطقة المنقف، وعملَ إمامًا وخطيبًا في مساجد الكويت، وكان فترةً من الزمن إمامًا وخطيبًا في مسجد أُمِّ القرى في منطقة الصباحية، قطعة (3).
هذه كانت بعض خِصال وفضائل الشيخ عيسوي محمد رحاب، وهي من حقيقة عايشناها معه فترة من الزمن، فنحن مهما كتبنا عنه، فلن نوفيه حقَّه، ولا يمكننا حصر خِصال الخير التي كانت فيه، فقد كان رجلًا عالِمًا عابدًا صائمًا ذاكرًا تاليًا للقرآن الكريم، نحسبه كذلك، واللهُ حسيبُه، ويشهد الله سبحانه وتعالى وحده علينا أننا ما بالغنا في مدحه ولا ذِكْره إلَّا ما عاينَّاه بأعيننا، ورأيناه منه.
كان حفظه الله رَجُلًا مثاليًّا، حرًّا، أبيًّا، وضع حياته كلها في خدمة دِينه وتعليم تلاميذه، مدرسًا ومحاضرًا ومرشدًا نَصُوحًا.
كان كالنَّحلةِ المنتجة، لا تراها إلا ساعيةً وراء رحيق زهرة، أو واضعةً مع جماعتها عسلًا شهيًّا؛ لكي يستفيدَ غيره ويكدى ويشقى هو.
Lorem Ipsum