الشيخ حسن المناع في الكويت
بقلم د. يعقوب الغنيم 22 يونيو 2016
هذا رجل من رجال العلم، ورجال التوعية بأمور الدين أمضى عمره في النصح والارشاد خطابة وكتابة، وكان له عدد من الذين أعجبهم أسلوبه في تقريب المسائل الدينية الى الاذهان، فكانوا يحرصون على لقائه وعلى الاستماع اليه.
انه الاستاذ الشيخ حسن مراد مناع الذي عاش بيننا في الكويت عدداً من السنين عرفناه فيها رجلا فاضلا حريصا على ان يوصل الى الناس ما يهديهم الى الصراط المستقيم، فيبين لهم جوانب مهمة من الجوانب التي دعا اليها الشرع القويم. ويكثر من نصحهم ودعوتهم الى سلوك الطريق المستقيم حتى امتلأت قلوبهم بحبه ونفوسهم بتقديره، ما جعله ينال مرتبة عالية طيلة مقامه هنا.
عرفت هذا الرجل الفاضل عن طريق رجل كريم آخر هو الأخ المرحوم ابراهيم عطا فرج، وكان هذا عالما رصينا حافظا لكتاب الله وسنة نبيه، وان كانت تبدو عليه دائما بساطة العلماء اذا لم يكن رحمه الله معتداً بما يعرف، بل انه ليدعي ان حياته سوف تنتهي وهو لم يمتلئ علما بعد.
عرفت هذا الرجل الطيب منذ اول يوم خطوت فيه الى منزل شيخي الاستاذ محمود محمد شاكر، فقد كان ملازما له حريصا على حضور مجالسه. وكان – آنذاك- يعمل في وزارة الأوقاف المصرية بمكتب الشيخ أحمد حسن الباقوري حين كان وزيراً في تلكم الوزارة. وعند حدوث التغيير الوزاري وكان عمل الأخ ابراهيم عطا فرج مرتبطا بالوزير وجد أنه لابد وأن يغير مكان عمله هو الآخر. فعرضت عليه أن يأتي الى الكويت لكي نستفيد منه، وكان ذلك بعد معرفتي به بعدة سنوات. وقد كان فجاء وعمل في أحد أقسام الوزارة وكان عمله مفيداً. وكانت صلات الناس به من موظفين ومراجعين صلات طيبة، وذلك نظراً لما يتمتع به الرجل من طيبة وحسن خلق.
وفي هذا الوقت كانت له اتصالات مع عدد من العاملين في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية في الكويت، ومنهم من كان من العاملين معه في مصر من قبل، فتوثقت علاقاته بهم واصبح يلتقي معهم باستمرار ويساعد في اوقات فراغه ببعض أعمالهم، وبخاصة مراجعة المصاحف وتصحيح مقالات مجلة الوعي الإسلامي التي تصدرها هذه الوزارة، ولم يكن هذا الأمر صعبا عليه فقد كان قبل أن يعمل في وزارة الأوقاف بمصر مصححا في دار الكتب المصرية التي تختار افضل المصححين بل والعلماء، من أجل العمل فيها. ولقد أسعدني الحظ فعرفت عدداً من الذين كان يتصل بهم في الكويت عن طريق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وكان من هؤلاء الشيخ حسن مراد مناع رحمه الله. وكان هذا الرجل يستحق أن تمتد علاقة المرء معه لما يتصف به من صفات كريمة، ولما يستفيده منه من علم ومعرفة.
وهو أيضا – كان حريصا على الروابط التي تربطه بي وبجميع من يعرفه، وكان يحرص على الزيارة، ويكثر من الاتصال الهاتفي ويسأل الاصحاب عن احوالهم، وكل ما يتعلق بهم. واذكر انه كان في فترة من فترات حياته الأخيرة كان يزورني في ديوانية الثلاثاء لا يرده تعب ولا مرض. أراه وهو يغالب مشقه السير، وصعوبة الحديث، ولكنه يأبى أن يتأخر عن هذا الذي اعتبره واجبه تجاه من يحب. ولم يتمنع عن الحضور حتى أعياه المرض نهائيا فلم يستطع مواصلة ماكان يقوم به، ولكنه لم يكن يغفل عن ارسال التحية عبر صديق الجميع الأخ آدم ابراهيم الدسوقي، الذي لم ينقطع عن زيارة الشيخ يوما واحداً، وكان خلال ذلك يبلغنا باخباره، ويحمل الينا تحياته. وقد كان الانشغال سببا من اسباب انقطاعي عنه، فلم ازره في تلك الفترة الصعبة من حياته على الرغم من انني حاولت مراراً ان اقوم بهذه المهمة، ولكن الوفاة كانت اسبق اليه مني.
ولد الشيخ الجليل حسن مناع في السادس عشر من يونيو سنة 1919م، وقد بدأت دراسته منذ الصغر حتى اذا انهى المرحلة الاولى منها التحق بالازهر الشريف حيث حصل منه على الشهادة العالية من كلية اصول الدين في سنة 1947م، ثم التحق بتخصص التدريس، فحصل من ذلك على العالمية مع اجازة التدريس في سنة 1949م، وعمل بعد ذلك مدرساً في المعاهد الدينية الملحقة بالازهر الشريف.
ثم اعير للعمل في الكويت، فصار مديراً لمعهد الامام والخطابة التابع لدائرة الأوقاف والشؤون الاسلامية، ثم صار مستشاراً ثقافيا في هذه الوزارة، ثم رئيساً لقسم الثقافة الاسلامية، ثم عين رئيساً لتحرير مجلة الوعي الإسلامي الصادرة عن الوزارة المذكورة، واستمر في هذا العمل منذ سنة 1983م حتى سنة 1990م، ومن المعلوم أن المجلة قد توقفت بعد هذا الوقت بسبب الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت، ثم عادت بعد التحرير.
الى الصدور بحلة جديدة وجميلة كساها اياها الاخ الشيخ فيصل العلي، فأجاد. كان عمل الشيخ حسن مراد مناع في المجلة بعد التحرير مستمرا ولكنه كان لفترة قصيرة، عين بعدها مستشارا شرعيا للوزارة بالادارة العامة للافتاء وللبحوث الشرعية منذ سنة 1991 واستمر في هذا العمل الى ان توفاه الله سبحانه.
كان الشيخ حسن كثير النشاط في مجال تخصصه، وكانت له مؤلفات في الفتاوى، وفي علم التوحيد وفي النحو وله مقالات دينية في كثير من الصحف والمجلات، كما كان له في اذاعة الكويت برنامج يومي يجيب فيه على ما يقدم له من اسئلة دينية يطرح من خلالها الفتاوى الشرعية للمواطنين، وقد استمر في ذلك منذ سنة 1979 حتى سنة 1990.
هذا وقد كان انتاجه غزيرا طوال حياته، وعلى الاخص طوال اقامته في الكويت، وكانت كتاباته مقروءة، تلفت اليه الانظار وتجمع الناس له، ويكسب بذلك مودتهم واحترامهم ولذا فانه عندما اصيب بالعجز الجسماني، ومكث في بيته لا يستطيع الخروج منه الا قليلا، فان الذين ارتبطوا معه بعلاقة الود كانوا لا ينقطعون عن زيارته او الاتصال به.
يتمثل الفيض الكبير من انتاجه البحثي والكتابي فيما نشره في مجلة الوعي الاسلامي، فقد رصدت له هذه المجلة الفاخرة اثنين وسبعين مقالا في التاريخ الاسلامي، والتوجيه وفي التعريف بالاسلام، واوائل المسلمين، وباختصار فانها كانت حشدا كبيرا من المعلومات كم نتمنى ان تتكرم المجلة بجمعها في كتاب واحد حتى يسهل الاطلاع عليها، وتعم الفائدة بها.
كان اول مقال من مقالاته هذه بعنوان: شهر الله الحرام، وهو بمثابة ترحيب بالسنة الهجرية الجديدة وبالشهر الكريم الذي تبدأ به وهو محرم الحرام، وقد كان اتفاق المسلمين على هذا الكتاب ليكون بداية السنة الهجرية عندما فكر سيدنا عمر بن الخطاب بهذا وجمع حوله صحابة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فاتفقوا على اختيار حادثة مهمة من الاحداث التي مرت بهم منذ ظهر دين الله الاسلام، فكانت هذه الحادثة هي هجرة الرسول الكريم ومن معه من الاصحاب الى المدينة المنورة من مكة المشرفة، وكانت هذه الحادثة جديرة بالاختيار، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها، وبالمحرم لانه منصرف الناس من الحج.
وفي هذا المقال يقول الشيخ حسن مناع: في مطلع هذا الشهر الكريم، ومع بداية السنة الهجرية الجديدة لا بد للمسلمين من وقفة تأمل وحساب صريح، وقد استقر في ضمير الناس ان ما يعانيه المسلمون الان من محن وتمزق وضياع ليس بسبب قلة عددهم، فقد بلغ عدد المسلمين اكثر من الف مليون نسمة، وليس عن عجز مادي، فوطنهم الفسيح يفيض بخيرات وثروات اودعها الله فيه، قد لا تتوافر في غيره من بلدان العالم.
ولقد افاض كثيرا في الحديث حول هذا الموضوع المهم حتى غطى جميع الجوانب المطلوبة، وبسط للقراء امورا كانوا في امس الحاجة الى الاحاطة بها.
وله مقال اخر مهم عنوان نحن والقرآن وقد جاء في ست عشرة صفحة، تناول فيها واقع المسلمين، وما يحسون به من الحسرة على اوضاعهم القائمة، وما يشعرون به جميعا من شعور مشترك ان المسلمين الان في واقع مر أليم وانهم يجتازون اقصى مراحل تاريخهم، ويعتصر قلوبهم الأسى لفقدانهم ذلك المجد الاثيل الذي عاش فيه اسلافهم، ولم يبق لهم بعده الا الهوان والضياع، وهم في هذه الحال البائسة يتساءلون متى تنجلي هذه الغمة؟ ومتى يعود الينا ما فقدناه على مر الزمن؟ ويقول انهم ليرددون قولهم: متى يسترد المسلمون ما سلف من مجد وما ضاع من تراث خلفه الاباء والاجداد؟ متى يعودون كما كانوا من قبل قادة الدنيا وهداة العالم؟ وبم تبدأ مسيرتهم على طريق الوحدة والترابط والاعتصام بحبل الله؟.
من هذه المقدمة التي لم تزد عن الاسطر الاربعة اتخذ مدخله الى الحديث الذي يريد ان يقدمه لنا.
ثم يقول ان سبب ضياع ما ضاع منا هو عدم توجهنا الى القرآن الكريم واستمداد جميع العبر منه، ولم تخب آمالنا الا حين صددنا عنه، يقول: نعم هجرنا القرآن الكريم فلم نقف عند حدوده، وما حرمنا حرامه ولا حللنا حلاله؟ ولا اقمنا معالمه، ما طبقناه في السلوك والاخلاق ولا في المتاجر والاسواق ولا في المكاتب والمدارس، ولا في البيوت وبين الاسر، ولا في السلم او الحرب فهل بعد ذلك يجدي البكاء؟.
وفي الختام ينادي العلماء والرؤساء ان يهتموا هم انفسهم بكتاب الله الكريم، وبنشر الوعي بما يحمله من اهداف هي غاية في الاهمية، فينصحوا الناس بقراءته والسير على هديه.
ومما هو قريب من هذا المقال، ما كتبه في العدد رقم (249) من مجلة الوعي الاسلامي، وهو ما قال تحت عنوان: اتبعوا ما أُنزل إليكم من ربكم وهو من ثماني صفحات ملأى بالوعظ والتذكير، كتبها في شهر رمضان المبارك، وبدأها بقوله ان الله جلت قدرته قد كرم شهر رمضان، ورسم بنفسه اسلوب هذا التكريم، فصار علينا ان نهتم بكل ما جاء في الكتاب الكريم من امور متعلقة بهذا الشهر، لأننا ينبغي ان نغلب الجانب الروحي الذي تشرق به نفوسنا على كل جانب مادي مظلم، ويكفي كرامة لهذا الشهر انه هو الشهر
الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
تحدث في هذا المقال عن اول اتصال للسماء بغار حراء حين نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في محل خلوته الأثير عنده، حيث يتعبد ويتأمل الى ان جاءه اليقين من ربه سبحانه. فنزلت الآيات الاولى من سورة العلق المباركة، واستمر نزول الآيات البينات على الرسول الكريم منذ ذلك الوقت: جاء القرآن الكريم هاديا للتي هي أقوم، بما فيه من آيات بينات، وحكم بالغات، ومواعظ تلين لها القلوب القاسية.
وانتبه الناس الى النداء القرآني المعجز، وتأملوا ما فيه، وتوقفوا امام تحديه لأهل البلاغة والبيان بأن يأتوا بمثله، أو من أقصر صورة من مثله، فأعجزهم ذلك. لقد بهرهم القرآن الكريم بما فيه من معانٍ سامية، ودعوة للحق لا يستطيع المرء ان يحيد عنها. وكان تأثير القرآن في المسلمين قوياً بحيث تمسكوا به وبما يدعو إليه، وآمنوا برسول الله إيمانا عميقا فقد جاءهم بالهدى ودين الحق، ووقف المسلمون في وجه كفار قريش لا يهمهم الأذى الذي ينالونه منهم مهما صَعُب، وكان الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود هو أول من جهر بقراءة القرآن الكريم أمام أولئك المعارضين حين وقف عند المقام بجوار الكعبة الشريفة لكي يقرأ ما شاء من سورة الرحمن، فهجموا عليه قائلين: إنه يتلو ما جاء به محمد، ويومذاك ضربوه ضرباً شديداً على وجهه رضي الله عنه، وهو لا يتوقف عن القراءة فقد منعه إيمانه من التردد في ذلك حتى انتهى من السورة.
ولم يكتفوا بذلك فقد اشتد أذاهم على جميع المسلمين وكان أشد ما يجدونه من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم هو ان يرون واحداً منهم يقرأ القرآن الكريم، الذي هو رسالة السماء الى الكون، والدليل على صدق النبوة، وعلى عظمة ما نزل على الرسول الكريم من أمر الله سبحانه.
ومع كل ذلك فإن بعض الجاهلين لم يستطيعوا انكار ما في آيات القرآن الكريم من عبر، ومن دلائل الصدق، ولم يجدوا في أسلوبه الراقي إلا كل ما يدل على أنه من عند الله، وليس من قول البشر. وكان أكثر هؤلاء دهاء، وعلما بتصريف الكلام وبلاغة الاسلوب هو الوليد بن المغيرة، الذي رغب إليه قومه ان يستمع الى تلاوة الرسول للقرآن الكريم، ثم يعود لكي يشوه حقيقته، ويعيب صياغته. وقد كان ذاك ولكنه عاد الى قومه مخبراً بأنه لا يستطيع الهروب من الحق، وان القرآن كلام لا مثيل له من لغة العرب. وعندما هاج عليه اولئك الذين انتدبوه لهذه المهمة. قال: إنه لابد وان يكون سحراً. وبذلك نزلت به آيات تهديد نراها في كتاب الله تعالى.
يقول الشيخ حسن مناع هنا: رَبَّى القرآن الكريم أمة، وصنع حضارة، وبنى تاريخاً مجيداً. وهو لا يزال بيننا، لم تتبدل فيه كلمة. ولكن تبدلت الألسنة التي تقرأ، والآذان التي تسمع والقلوب التي تعي وتطمئن.
إذا فواجبنا هو تلاوة القرآن، وتدبر معانيه والاحساس بما فيه من عظيم التوجيه الإلهي. ويكفينا ان نقرأ قوله تعالى: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (الآية 155 من سورة الأنعام).
وفي العدد رقم 232 والعدد 233 مقالان متتابعان رقم الأول منها برقم (1) والثاني برقم (2). والعنوان الذي اختاره الشيخ لهما: ألا له الخلق والأمر وهذا العنوان مستقى من القرآن الكريم، وفي المقال الأول دعوة الى تدبر الملكوت الإلهي العظيم، وان يكتشفوا أسرار الطبيعة وفق ما أشار لهم بذلك كتاب الله.
لقد كان الإسلام خير دين، هَدَى الناس الى حسن صنع الله في ملكوته العظيم، وفيه الدعوة الدائمة الى معرفة قدرة الله تعالى في كل ما في الكون من مظاهر ودلائل توصل المرء الى معرفة قدرة الخالق عز وجل، ولا شك في ان التأمل في صفحات الوجود لابد وان يؤدي عن طريق البحث الطويل المستنير الى المزيد من الايمان بما يكفل تمكن عقيدة التوحيد في النفوس: قال تعالى: إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس، وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها، وبث فيها من كل دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون. (سورة البقرة الآية رقم 164).
وبحسب ما جاء في القرآن الكريم فقد قسم الشيخ حسن مناع الناس الى قسمين منهم قسم ضال لا يهتدي الى ما أمر الله به، وقسم مهتدٍ يؤمن بالله، ويتأمل في عظائم قدرته.
لقد سما الإسلام بالإنسان، ولبى حاجاته المادية والروحية فوفر لنا السكينة، وأشاع الرحمة والتعاطف في المجتمع، وهو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
***
إنه فيض من التوجيه الديني السليم يقدمه هذا العالم الجليل بناء على شعوره بأهمية قيامه بالدعوة الى الله عزوجل، والى ما يدعو اليه رسول الله – صلى الله عليهم وسلم- تناول في كل ما كتب نواحي لها اهميتها في توعية الناس بأساليب الحياة الكريمة التي ينبغي ان يسير عليها البشر وفق التوجيه الاسلامي الصحيح.
ولقد قلنا ان هذا الشيخ قد كتب في مجلة الوعي الاسلامي من المقالات ما مقداره اثنان وسبعون مقالا. كان ما قدمنا فيما سلف نماذج لما جاء فيها. وهي نماذج جديرة بالاهتمام ففيها توجيه عال، وبيان منير لما يمليه علينا ديننا الحنيف. أما هنا فسوف نقوم باستعراض موضوعات بعض المقالات دون الدخول في تفصيلاتها. فإلى جانب حديثه عن الشهر الحرام الذي مضى القول عنه، جاء مقال طويل بعنوان نحن والقرآن ثم جاء مقال تحدثنا عنه قبل قليل وهو: ألا له الخلق والامر وهو كما قلنا مكون من جزأين. وتكلم عن الاخوة الاسلامية تحت عنوان: فأصبحتم بنعمة الله اخوانا.
وأشار الى مجيء الفرج بعد الكرب، وذلك وفق البشرى الالهية وبشر المؤمنين وتحدث عن الحج، وعن المسجد الاقصى المبارك. وما كتبه عن الحج اشارته الى النداء المحمدي في حجة الوداع، وكتب عن القرآن الكريم تحت عنوان: وبالحق انزلناه وبالحق نزل. وذكر ما تعرض له المسلمون من محن في حاضرهم ولكنه كان من التفاؤل بحيث لا يسيطر عليه القنوط، فهو على أمل من ربه فالمقالات التي كتبها تدل على ذلك مثل: وما النصر إلا من عند الله وواستعن بالله ولا تعجز ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ثم وينصركم عليهم. وهو بعد ذلك ينهى عن كثير من الموبقات التي تضر بالمجتمع الاسلامي كالخمور والمخدرات فهي كلها وراء كل بلاء.
ولا ينسى الكويت التي يعيش فيها، ويرى توجهها الديني السليم فيكتب مقالات في هذا السبيل منها: قلب العالم الاسلامي ينبض في الكويت.
كل ذلك إلى جانب موضوعات متعددة كونت دروساً مهمة للرجل وللمرأة، وحرصت على صيانة المجتمع من الأوباء، ودلت على مدى ما يتمتع به من علم غزير، وادراك لمرامي الشرع الحنيف، ولذلك فإنه جدير بان ننوه بمناقبه، وأن نذكر له ما كان عليه من جميل الصفات، وقد شهد له بذلك كل من اتصل به، وارتبط معه بعلاقة.
***
خرجت يوم الجمعة من مسجد المطير الذي اعتدت ان أؤدي فيه صلاة الجمعة منذ مدة طويلة، فلحق بي أحد الاخوة المصلين وكان حريصا على مخاطبتي، فانتبهت الى ما كان يريد أن يحدثني به، وكان ذلك الرجل هو الاستاذ سعود عويض سعود الديحاني، قال – وفقه الله – إنني ألفت كتابا في سيرة الشيخ حسن مراد مناع، وانني لارجو ان تطلع عليه، ولقد أسعدني ان يقوم احد ابناء الكويت ببادرة وفاء لهذا الشيخ الجليل، وأن يخصني الاخ سعود بنسخة من كتابه، وبالفعل سلمني نسخة منه، وكان بعنوان حسن مناع، مؤسس دار القرآن وهذه الدار من مؤسسات وزارة الاوقاف، والشؤون الاسلامية في الكويت، ولها دورها في نشر قراءة القرآن بين الشباب بخاصة، وقد تخرج فيها عدد امتازوا بتجويده بل وحفظه والعلم به، والاحاطة بعلومه من تجويد وتفسير وغير ذلك. يبدأ الكتاب بمقدمة قصيرة كتبها المؤلف، ثم تلتها كلمة كتبها الشيخ زهير محمد حمودي، أمين سر هيئة الفتوى في دولة الكويت وعنوانها: المفتي المتأني، والناصح المشفق. ثم واصل المؤلف بحثه بعد ذلك بالحديث عن دراسة الشيخ التي بدأها في الكتاب الى ان انتهى من التعليم العالي والتخصص اللاحق به، ومن هنا بدأت حياته العلمية فعين بالازهر ودرس في سوهاج وفي طنطا وغيرها الى ان أُعير إلى الكويت التي وصل إليها في اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر لسنة 1963، والتحق مدرساً بمعهدها
الديني. وبعد فترة استعانت به وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية فلبى الطلب وصار واعظا متبرعاً يمر على مساجدها في أيام شهر رمضان المبارك، ويخطب فيها خطبة الجمعة، وظل الشيخ يعمل في التدريس والوعظ والارشاد الى أن انتهى زمن اعارته من الازهر الشريف في شهر يونيو لسنة 1967م، ولكنه عاد بعد ذلك للعمل في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية هنا، ولهذه العودة قصة رواها الاخ سعود الخالدي في كتابه هذا. وكان عمل الشيخ حسن مناع في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية في امتداد عودته هو القيام بادارة معهد الإمامة والخطابة، وعندما انتفت الحاجة الى هذا المعهد، قدم اقتراحاً بانشاء دار القرآن الكريم فتم ذلك في سنة 1971، واستمر بها طويلاً إلى ان انتشرت لها فروع في كل مكان بالكويت من أولها الى آخرها.
وازداد نشاط الدار حتى أصبح لها قسم خاص بالنساء، وصار عدد خريجيها كبيراً، ولا شك ان جهد الشيخ حسن مناع جهد واضح في هذا المجال، وبه تمكنت دار القرآن الكريم من الصمود والتقدم.
Lorem Ipsum