أمير الكويت الراحل الشيخ سعد العبدالله يحضر المولد النبوي
في ذكري المولد النبوي الشريف نبي الهدى
أقامت وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية حفلا دينيا كبيرا بمسجد فاطمة مساء يوم الخميس 11 ربيع الاول سنة 1399 هـ 8 فبراير سنة 1979 حضره سمو ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الجابر الصباح والشيخ عبد الله الجابر المستشار الخاص بسمو أمير البلاد وعدد من الوزراء وكبار الموظفين وجمهور غفير من المسلمين وقد القيت في الحفل الكلمات المناسبة للذكرى الجليلة وقد ألقى السيد يوسف جاسم الحجي وزير الاوقاف والشئون الاسلامية الكلمة التالية ولم نستطع نشرها فى عدد ربيع الثانى لانه كان ماثلا للطبع حين اقيم الحفل:
قال سيادته:
أيها الأخوة الكرام:
أحييكم بتحية الاسلام، تحية من عند الله مباركة طيبة، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وأحمد اليكم الله تبارك وتعالى، وأصلي وأسلم على صاحب السيرة العطرة، والذكرى الخالدة، الأسوة الحسنة، والرحمة المهداة، سيدنا محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه، ورضي الله عن صحابته أجمعين، ومن تبعهم باحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيطيب لنا في هذه الليلة المباركة، وبين هذا الجمع الكريم الحافل، أن نشارك المسلمين في شتى بقاع الأرض، حفاوتهم بهذه الذكرى الطيبة، واحتفالهم بميلاد رسول الإسلام سيدنا محمد النبي الأمي، عليه أفضل الصلاة، وأزكى التسليم.
وفي الحق أنه كلما أطلت علينا ذكرى المولد النبوي الشريف، أطلت معها معالم حياة فاضلة، وحقائق تاريخ شامل، وصفحات خلق عظيم، ومن حق المسلمين أن يبتهجوا لذكرى ميلاد نبيهم الحبيب، وأن ينشطوا قلوبا وعقولا في الحديث عن هذه الذكرى، وأن يدركوا أبعادها ويستوعبوا ما تشير إليه من أمجاد عالية، ومواقف خالدة، ومن حق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أمته أن يحظى باهتمامها بحياته، وحبها وتقديرها لأخلاقه، واعتزازها بمواقفه، التي أعزت الانسانية، وأمدت الحياة بأنبل زاد وأكرم عطاء..
لقد جاء صلى الله عليه وسلم الى أمته حريصاً على هداها رحيماً بها، حكيماً في قيادتها، عادلا في قضاياها، بانيا لأمجادها، رافعا إياها في معارج الخير والكمال والجلال. وصدق ربنا العظيم إذ يقول في كتابه الكريم: {(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). }{{128/9}}
وان فضل الرسول صلى الله عليه وسلم على الانسانية لعظيم، فهو الذي وجهها وجهة السداد والرشد، وسكب في ضميرها العفاف والطهر.
وإن هناك حقيقة تاريخية، لا اختلاف عليها بين مؤرخي الشرق والغرب، وهي أن العالم كله قبل البعثة المحمدية، كان يحيا حياة تموج بالاضطراب والفساد، والظلم والاستعباد قد انطفأت هنا وهناك مشاعل الروح والايمان، وتهالك الناس على الدنيا، يتنافسونها في شراهة وشراسة.
لقد كانت الحياة في شبه الجزيرة العربية كلها، حياة معتمة مثقلة بالكفر، وعبادة الأوثان، والتمزق القبلي، والعداوات الحادة، وغارات النهب والسلب، وعلى مثل تلك الحال أو أشد منها سوءا، كانت الأمم الأخرى التي كان لها أثارة من الحضارة والعلم، ولكنها كانت تعيش في فوضى وقلق وفزع، يفتك أقواهم بأضعافهم، ويستبد غنيهم بفقيرهم. وكان الناس في كل مكان كالغرقى، تتقاذفهم الأمواج الهوج، في بحار من الفساد والسواد. ثم جاءهم الاسلام منقذا هاديا، فما ظهرت مطالعة على مشارف الأمة العربية، حتى فتحت له ذراعيها مرحبة، واستقبلته استقبال المنقذ المأمول، لا استقبال الفاتح الغالب، وكان هذا عاملا له وزنه في انتصارات المسلمين الباهرة، على جيوش جرارة أكثر عددا وأقوى عدة، ولكنها بلا إيمان وبلا عقيدة، ثم كان أن أشرقت الأرض بنور الاسلام، وسعدت به أمم وشعوب، فعاشت ببركته في ظلال العدل والمساواة، والرخاء والاخاء.
ومن هنا ينبغي أن يكون احتفالنا بذكرى المولد النبوي، احتفالا بالاسلام في كل معانيه، وحقائقه الانسانية الكبرى، وأن يكون هذا الاحتفال في الاتساق والاتساع والشمول بحيث يرتفع الى مستوى مناسبته الجليلة.
أيها الأخوة المسلمون:
إن من حق الذكرى علينا، ألا نقف أمام يوم واحد للميلاد، بل علينا أن نجعل لنا مع كل يوم جديد، مولد حياة جديدة، نتحول بها من الفرقة الى الوحدة، ومن الضعف الى القوة، ومن التخاذل الى التماسك، ومن التفريط في أرضنا ومقدساتنا، الى النفير في سبيل الله بالجهاد الصادق، لنسترد الأرض، ونحمي العرض، ونثأر للكرامة.. فان أعداءنا لا يزالون في تحديهم لمشاعر المسلمين، وعدوانهم الآثم على تاريخهم ومقدساتهم، فقد حملت الينا الأنباء التي تحدثت عن منع المسلمين في فلسطين المحتلة ومن بينهم رؤساء بلديات الضفة الغربية من الصلاة في المسجد الابراهيمي بالخليل مما يدل على تماديهم في استهتارهم بالقيم، واستهانتهم بالعقيدة والمبادئ الاسلامية.. علينا أن نتحول من الغفلة التي سيطرت علينا الى الحذر الدائم واليقظة التامة، لما يدبر للاسلام، فان عواصف عاتية تهب علينا من كل مكان، وتيارات حاقدة تستهدف الاسلام لتقضي عليه، ومؤامرات خبيثة ما خفي منها أكثر مما ظهر، تعمل على التشكيك في صلاحية الاسلام، وتصفية الكيان المسلم. ولا عاصم لنا من هذا البلاء المحدق بنا الا الاستمساك بمنهج الإسلام وتطبيق الشريعة الاسلامية لتشمل جميع عباداتنا ومعاملاتنا. ومن الطلائع التي تبشر بالخير ما نقلته الينا الأنباء الرسمية في دولة باكستان الاسلامية من أنها ستقوم ابتداء من الغد بتطبيق الشريعة الاسلامية كاملة في جميع مراحل الحياة في هذه الدولة الشقيقة. ونحن نبتهل الى الله بأن يوفقها في هذا العمل الجليل، وأن يوفق جميع ملوك ورؤساء الدول الاسلامية بأن تحذو حذوها في القريب العاجل بإذن الله. {ويومئذ يفرح المؤمنون}{{4/30}} {بنصر الله،}{{5/30}} ولن يصلح آخر هذه الأمة الا بما صلح به أولها، وأن الرجوع إلى الإسلام هو طوق النجاة في خضم هذه الحياة، وهو الربوة العالية العاصمة من كل سوء {(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}{{43/43}} . {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}{{44/43}} وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
بهذا ندخل في عداد المؤمنين الذين تنفعهم الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين.
وختاما أقدم التهنئة الخالصة بهذه المناسبة الطيبة، الى حضرة صاحب السمو أمير البلاد والى سمو ولي عهده والى أمتنا الكريمة والى المسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها. وكل عام وأنتم بخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر:
الوعي الإسلامي عدد (75)
Lorem Ipsum