info@kazima.org +(00) 123-345-11

أمارة الكويت الإسلامية – أحمد الشرباصي

الكويت, [15/12/44 05:16 م]
أمارة الكويت الإسلامية
لفضيلة الشيخ الأستاذ أحمد الشرباصي المدرس بمعهد القاهرة
المقال من مجلة الأزهر محرم 1367 المجلد التاسع عشر

الشيخ أحمد الشرباصي
الحالة الاقتصادية: 
تعتبر التجارة الركن الأعظم لتقدم البلاد: لأن الكويت قاحلة، لا زرع فيها يغنيها عمـا سـواها، وأهم بلد يتجرون معه هو «البصرة»، إذ يستصدرون منها القمح والشعير والتمر والخضر والفواكه، وكذلك اتخذوا بغداد سوقا لتجارة اللؤلؤ؛ وقد حدثت بين الكويت ونجد منازعات طويلة حول التجارة، إذ رأى جلالة الملك عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية لبعض الأسباب أن يمنع رعيته من الاتجار مع الكويتيين. ثم تم الاتفاق أخيرا بين حكومة الكويت وعاهل الجزيرة على تنظيم التجارة بين البلدين، وتموين نجد من الكويت، بمعاهدة تكفل حقوق الطرفين؛ وكان ذلك في سنة 1939 م. 
وفي الكويت من الصناعات: الحياكة والنجارة والحدادة والصياغة، وصنع السفن الشراعية، حتى إنهم كثيراً يبنون سفنا تسع الواحدة منها ستة آلاف من قواصر التمر، أي ما يقرب من خمسمائة طن! 
وليس للكويت من الحاصلات أو الصادرات ما لغيرها من الأقطار الكبرى، فهي ليست زراعية ولا صناعية، ولذلك تقتصر على تصدير الدهن والصوف، وفراء الثعالب والبهائم، وفرائد اللؤلؤ. وقد كانت تجارة اللؤلؤ في الكويت إلى عهد قريب هي أهم مصدر للربح، وكانت الكويت تعرف به، ولكن أسعار اللؤلؤ اليوم قد اضمحلت، وسوقه قد كسدت؛ وذلك بسبب مزاحمة اللؤلؤ الصناعي الذي ابتكره اليابانيون.
 وقد حدثني صديقي الأستاذ عبد العزيز حسين الكويتي أن في الكويت عائلات كبيرة، كانت معروفة بالثراء والنعمة، ولكنها نكبت نكبات قاسية من جراء هبوط أسعار اللؤلؤ بسبب هذه المزاحمة التجارية، وأن والده كان من تجار اللؤلؤ في الكويت، وقد خسر في هذه التجارة مبالغ طائلة من أثر ذلك الانقلاب! 
وقد استبدل كثير من الغواصين وتجار اللؤلؤ بسفن الغوص سفنا كبيرة يستخدمونها في التجارة بين الكويت وسواحل الهند، وهي تدر مبالغ ضخمة على الرغم من الأخطار التي تصادفها. وعلى ذلك يصح أن نقول إن التجارة قد احتلت الموضع الذي كان يحتله اللؤلؤ قبل عشر سنوات! ومع هذا فلا تزال للؤلؤ مكانته، ولا يزالون يغوصون عليه باحثين منقبين. 
وليس استخراج اللؤلؤ عملا سهلا يطيقه كل من أراده أو حاوله ، بل له نظم خاصة وأوقات معينة معروفة ؛ وللغوص على اللؤلؤ رجال مدربون ، وسفن مدربة ، ولكل واحد في السفينة وظيفة وعمل ، وهم يتجهزون بالطعام والشراب والثياب ، ويخرجون للبحث عنه ، فيقضون في ذلك أياما عدة ؛ وللغواصين على اللؤلؤ هناك زعيم لا يرجعون إلى وطنهم إلا عندما يصدر أمره إليهم ، فإذا انتهت المدة المعينة لهم من قبل حاكم البلد ، أخذوا ينتظرون الإشارة من زعيمهم ، وهي إطلاق مدفع يثور من سفينته ، فإذا سمعوا دوى المدفع تركوا عملهم ، وعادوا إلى أهليهم ، فإذا ما شاهدوا الكويت ولاحت لهم قصورها ، أطلقوا المدافع شكراً لله على رجوعهم إلى وطنهم سالمين غانمين ! . . 
ومن لطيف ما يذكر هنا أن الغواصين يقصون أمورا غريبة يشاهدونها في البحر، فيقولون إنهم يرون في القاع كهوفا عظيمة، وغابات مظلمة، وكثبانا مرتفعة، وجبالا عالية، وبعضهم يغلو في الإغراب فيزعم أنه شاهد في القاع رجالا ونساء من الجان بين صخور البحر وكهوفه، ويتبين لكم ما في بعض هذه القصص من بعد عن الحقيقة حينها تعرفون القصة الظريفة التالية. 
حدَّث أحد المهرة من الغواصين عن نفسه ، قال : كنت مع أصحابي يوما في مغاص اللؤلؤ ، فنزل أحدهم إلى البحر ، ولم تكد تطأ رجله الأرض حتى صعد إلينا خائفا مرعبا ، وأخبرنا بأنه شاهد امرأة من الجان جالسة في القاع وعليها عباءة سوداء ، وذكر لزيادة التأكيد أشياء من أوصاف العباءة ، فرأى أحـد إخوانه أن ينزل ليتحقق الخبر ، فجرى له مثل ما جرى لصاحبه ، ثم نزل الثالث والرابع وهكذا ، حتى فعل ذلك جميع من كان في السفينة ، وكلهم اتفقوا على صدق ما قاله الأول ، فلما رأيت الكل قد أضربوا عن العمل بسبب تلك الحادثة رأيت أن أكشف الحقيقة بنفسي ، ولكنني عند ما نزلت وجـدت الأمر كما قالوا ! . . .
فدهشت وأصابني من الرعب ما كاد يضطرني إلى الخروج، غير أن نفسي أبت على أن يتحدث الناس عنى بأنني جبان، فصممت على استجلاء الحقيقة مهما كانت النتيجة، فأقدمت على الجنية، ولويت يدي على عنقها بكل قوتي، وقد أغمضت عيني، فما أشعر إلا والدم يجرى من يدي، ففتحت عيني، والصخر يصدمني صدمة عنيفة، فرأيت أنني قد صدمت بصخرة قد تلبست بعباءة!
ولا تسل عن فرحى عندما عرفت الحقيقة … ولكني أردت مداعبة أصحابي، فلبست العباءة وخرجت عليهم متخفيا بها، فلما رأوني رموا أنفسهم في البحر وتركوا السفينة بما فيها، إذ اعتقدوا أن الجنية قد قضت علي وخرجت إليهم لتقضى عليهم أيضا. ولم يرجعوا من البحر إلا بعد أن سمعوا صوتي وأنا أضحك عليهم ساخراً منهم! 
الحالة السياسية: 

أما عن حالة الكويت السياسية فحسبكم علما بها أنها قد دخلت تحت الحماية الإنكليزية من سنة 1913 م ؛ ولم تكن هناك حكومة بالمعنى الصحيح في أول نشأة الكويت ، إذ كان آل الصباح المنشئون لها أسرة واحدة لا تحتاج إلى حاكم ، ولكن لما هبط عليهم الناس من هنا وهناك ، وخالطهم بعض الأجانب رأوا أن يولوا عليهم حاكما منهم ،  فأجمعوا أمرهم على  «صباح الأول» ، فقبل ، وظل الحكم من أيامه إلى أيام «مبارك الصباح » شورى ؛ يستشير الحاكم وجهاء القوم فيما ينتابه من المهمات ، وما يعرض عليه من القضايا ، وليس له الرفض أو القبول بعد أن يقر رأيهم على أمر ؛ لأن السلطة الحقيقية لهم ، وإنما يعطى اسم الرئاسة عليهم تفضلا ، بل قد يذهب الأمر إلى أبعد من ذلك ، إذ يعجز الحاكم أحيانا عن أخذ الحق من بعضهم ، كما يتبين في القصة التالية : 
أخـذ بعض هؤلاء الوجهاء سلعة إلى أمد من أحد الكويتيين. فلما دنا الأجل ذهب الدائن إلى المدين يطالبه بحقه ، ولكن الوجيه ماطل : وامتنع عن الوفاء ، فرفع الرجل شكواه إلى الحاكم ، فصارحه الحاكم بأنه لا يستطيع إكراه ذلك الوجيه على الدفع ، ثم أرشده الحاكم إلى حل يدل على النباهة والذكاء . قال له : الرأي أن تذهب إلى زوجة هذا المدين المماطل فتخبرها بأن زوجها قد قال يوم أخذ السلعة : « امرأتي طالق ثلاثا إن لم أوف إليك حقك عند أجله ، فإنك ستحصل بتلك الحيلة على ما تريد ؛ لأن ذلك الوجيه لا يرد لزوجته طلبا ، إذ هو عبد لها ، فقبل الدائن ذلك الرأي وقصد الزوجة فشرح لها الأمر ، فوعدته بأن تحقق له رجاءه ، ولما عاد زوجها إلى البيت احتجبت منه وامتنعت عليه ، فدهش لذلك وسألها عن السبب ، فأخبرته بالقصة ، وحتمت عليه أن يسارع بأداء الدين قبل اتصاله بها ، فأكد لها الزوج أن ذلك كذب وافتراء ، ولكنها امرأة ، فلم تصدقه ، فاضطر الرجـل أن ينزل على أمرها ، وأدى إلى الدائن حقه ! . 
أمير الكويت:
أما حاكم الكويت اليوم فهو الأمير الشيخ أحمد بن جابر آل الصباح، وهو الحاكم العاشر من حكام الكويت، وكثيرا ما يخاطبونه في الكويت قائلين في خطاباتهم: «مولانا الأمير الجليل، صاحب العز والسيادة الشيخ أحمد بن جابر الصباح حاكم الكويت المفخم أدام الله عزه وتوفيقه».
وهو نجل الشيخ جابر بن مبارك آل الصباح ، ولد في الكويت سنة 1880 م على الأرجح ، ونشأ فيها وتعلم القراءة والكتابة في قصر والده ، وهو ربع القامة حنطي اللون ، ممتلئ الجسم كث الشعر بهى المنظر ، لطيف الحديث جذاب الملامح رزين متواضع ، يميل إلى معالجة الأمور باللين والحكمة ، بعيد عن العنف وسفك الدماء ، بعيد عن المحرمات وتعاطيها ، معروف بالميل إلى الاقتصاد ، ولديه ثروة كبيرة تقدر بالملايين ، وهو يلبس الملابس العربية ، وأبناء الكويت جميعا في ذلك مثله ، ويضع الكوفية ( الصمادة ) والعقال على رأسه ، ويلبس العباءة دائما . وينهض سموه مبكرا من النوم فيتوضأ ويصلى ويقرأ ما تيسر من القرآن الكريم، ثم يشرب القهوة ويفطر ، ثم ينتقل بالسيارة إلى قصر الحكم في داخل مدينة الكويت ( وقصره الذي يعيش فيه يسمى الدسمان ) وهو واقع في الطرف الشرقي من مدينة الكويت ، ويطل على خليج فارس ، فيستقبل الزائرين والموظفين وينظر في الرسائل والكتب و الشئون الأخرى حتى الظهر فيتغدى مع من يكون هنالك  الزوار والحاشية ، ثم يصلى الظهر جماعة في مسجد القصر مع الموجودين ، ثم يستريح إلى العصر ، وقديما كان يغادر القصر الى قهوة السوق ، وهي قهوة كائنة في وسط سوق الكويت التجارية ، وحوله رجال الشرطة والحجاب ، فيجلس فيها فيلتف الناس حوله ، فينظر في مصالحهم وقضاياهم ويفصل فيها ، أي أنه كان يأتي الى المتقاضين بدلا من أن يأتوا هم إليه ، وتلك عادة جميلة قديمة من عادات شيوخ الكويت ؛ وبعد أن ينتهى من نظر القضايا يعود بالسيارة الى قصره قرب المغرب ، فيصلي جماعة في مسجد القصر مع من يكون هناك من الزوار والحجاب والخـدم وراء إمام القصر الخاص ، ثم يتعشى مع الزوار والحاشية في غرفة المائدة ، ثم ينتقل مع ضيوفه الى المشرب فيتناولون القهوة ويسمرون حتى يأتي موعد النوم ، وهو يبكر إليه في أكثر لياليه . . . أما اليوم فقد أنشئت بالكويت محاكم تقوم بالقضاء والفصل في الخصومات نيابة عن الأمير .
وقـد سن الأمير سنة طيبة حميدة، وهي الاستماع الى الدروس الدينية من بعض العلماء في وقت معين من النهار أو الليل، يقول الأستاذ عبد العزيز الرشيد: 
و لا نعلم أن أحداً من حكام آل الصباح اتخذ له واعظا خاصا في مجلسه العـام كل صباح، يفسر بين يديه الكريمتين الآيات القرآنية، ويشرح الأحاديث النبوية، ويبين شيئا من الأحكام والأخلاق ، غير أميرنا المحبوب ، فقد شرفني للقيام بتلك الوظيفة العالية ، ودعاني إليها فلبيت نداءه ، وامتثلت أمره ، وقد كان يصغي لما يسمع من الآيات والمواعظ إصغاء المتدبر ، وبقيت مدة طويلة قائما بهذه الوظيفة الشريفة قبل ولايته » .

المصدر: مركز الوراق للتراث

Lorem Ipsum

اترك تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Tabligh - Copyright 2021. Designed by Nauthemes